جريدة عمان / تشهد أسواق النفط خلال العام الجاري استقرارا نسبيا مع مستويات سعرية ملائمة لصالح المنتجين والمستهلكين
توازن العرض مع الطلب يمتص تأثيرات العوامل التي تضغط على سوق النفط خاصة عدم اليقين تجاه آفاق النمو العالمي واستمرار رفع الفائدة
القدرة التي أبداها منتجو النفط على الإدارة الجيدة للسوق، والتنسيق الجيد ما بين أوبك وأوبك بلس يؤكد نجاح النهج الاستباقي في التعامل مع تطورات سوق النفط
تخفيضات الإنتاج تحقق مزيدا من الاستقرار في سوق النفط العالمية
سجل متوسط تداولات العقود الآجلة لخام نفط عمان 81.40 دولار للبرميل بنهاية النصف الأول من العام الجاري مقارنة مع متوسط يتجاوز 90 دولارا للبرميل بنهاية تداولات العقود لشحنات النفط التي تم تسليمها بنهاية نفس الفترة من العام الماضي.
وخلال النصف الأول من هذا العام، بلغت أسعار النفط أفضل مستوياتها السعرية خلال شهر يناير الماضي عند 86.15 دولار للبرميل، فيما كان أدنى مستوى للأسعار في شهر فبراير مع تراجع الأسعار إلى 77.40 دولار للبرميل.
وتشهد أسواق النفط خلال العام الجاري استقرارا نسبيا مع مستويات سعرية ملائمة لصالح المنتجين والمستهلكين، وذلك على الرغم من عوامل متعددة سببت ضغوطا على أسواق النفط العالمية منها عدم اليقين تجاه آفاق النمو الاقتصادي العالمي وتراجع معدلات النمو في عديد من الاقتصاديات الكبرى، واستمرار توجه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نحو رفع الفائدة وإشاراته الواضحة إلى مواصلة زيادة الفائدة خلال الفترة الباقية من العام الجاري.
وقدمت سياسات الحفاظ على استقرار وتوازن سوق النفط التي اتبعتها مجموعة أوبك بلس خلال الفترة الماضية دعما جيدا للأسعار، حيث تبنت المجموعة نهجا مرنا لتحديد مستويات الإنتاج وفق متغيرات العرض والطلب في الأسواق مع الوضع في الحسبان تأثير الأزمات الاقتصادية الحالية في العالم على مستويات الطلب المتوقع، كما قامت عدة دول من أعضاء مجموعة أوبك بلس، من بينهم سلطنة عمان، بخفض طوعي للإنتاج بدءا من مايو الماضي في إطار الحرص على توازن أفضل في الأسواق.
وتشير الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن الإنتاج اليومي في سلطنة عمان تراجع إلى 1.044 مليون برميل يوميا بنهاية مايو مقارنة مع 1.067 مليون برميل كمتوسط شهري للإنتاج خلال أبريل الماضي، وكان متوسط الإنتاج اليومي خلال العام الماضي قد سجل 1.064 مليون برميل يوميا.
وبفعل الجائحة وتبعاتها، شهدت أسواق النفط انخفاضا ملموسا للأسعار خلال عامي 2020 و2021، واتجهت للتعافي في نهاية 2021 ثم أدت تبعات الحرب في أوكرانيا لارتفاع كبير في الأسعار خلال العام الماضي.
وعلى أساس سنوي، حقق خام نفط عمان متوسطا سعريا جيدا خلال العام الماضي بما يتجاوز 95 دولارا للبرميل، فيما بلغ متوسط النفط في 2021 نحو 64 دولارا للبرميل، وعلى أساس نصف سنوي، سجل متوسط سعر النفط في النصف الأول من عام 2021 نحو 56 دولارا للبرميل بينما كان المتوسط قد بلغ 51 دولارا في الفترة نفسها من عام 2020.
وفيما يتعلق بتوجهات الأسعار خلال بقية هذا العام والعام المقبل، ترجح توقعات خبراء النفط أن السوق رغم أنها ما زالت تحت تأثير تبعات التطورات والأزمات السياسية والاقتصادية الحالية، فإن مستويات الأسعار تجد دعما من سياسة التوازن بين العرض والطلب التي انتهجتها أوبك بلس، ووجود دلالات قوية على ارتفاع حجم الطلب في الصين وكذلك السوق الأمريكية وهما من أكبر مستهلكي الطاقة في العالم، وقد شهدت الولايات المتحدة مؤخرا انخفاضا في حجم مخزونها الاستراتيجي بسبب السحب المتكرر منه في وقت يتباطأ فيه نمو الإنتاج في الولايات المتحدة ويوشك أن ينعكس ذلك على حجم الإمدادات والمخزونات الاستراتيجية في وقت لاحق من العام الجاري.
وفي تطورات بيئة الاقتصاد الكلية، جاءت إشارات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لتلمح إلى أن رفع الفائدة سيستمر، وعادة ما يدفع هذا التوجه الأسعار للتراجع، لكن في ظل احتمالات متصاعدة لشح الإمدادات خلال الفترة المقبلة، اتجهت أسعار النفط مؤخرا للارتفاع رغم بيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي المتشددة بشأن رفع الفائدة، وعزز من ارتفاع أسعار النفط أن التوقيت الحالي يشهد ذروة موسم الإجازات والسفر خلال فصل الصيف.
وفي تقريره الأخير حول توجهات سوق النفط والأسعار، رجح بنك جولدمان ساكس أن تصل القيمة العادلة للنفط الخام إلى 97 دولارا للبرميل بحلول نهاية العام، مشيرا إلى أن أسواق النفط تشهد حاليا توجها من قبل المستثمرين نحو بناء مراكز طويلة المدى في العقود الآجلة للنفط الخام مما يشير إلى أن مديري صناديق التحوط يتطلعون إلى المزيد من الاتجاه الصعودي.
من جانب آخر، عدل كوميرتز بنك توقعاته لخام برنت هذا العام بالخفض لكنه ما زال يرجح مستوى جيدا للأسعار، وخفض كوميرتز بنك سعر خام برنت بنهاية هذا العام إلى 85 دولارًا للبرميل، وكانت توقعاته السابقة عند 90 دولارًا للبرميل، وأرجع البنك خفض توقعاته للأسعار إلى أن السوق النفطية على المدى القصير ما زالت تحت تأثير المخاوف بشأن الأداء الاقتصادي العالمي في العصر الجديد لارتفاع أسعار الفائدة، لكن أشار في الوقت نفسه إلى أن عجز الإمدادات قد يستمر في الارتفاع في النصف الثاني من عام 2023 ، بسبب انخفاض المعروض من أوبك بلس والطلب القوي في آسيا.
وبدءا من نوفمبر الماضي، بدأت مجموعة أوبك بلس تنفيذ خفض كبير في الإنتاج، وأعلنت أوبك بلس، التي تضم منتجين للنفط أعضاء في منظمة أوبك ودولا من خارج المنظمة، خلال الشهر الماضي عن مستوى جديد لإنتاج دول المجموعة عند 40.46 مليون برميل يوميا بداية من عام 2024 وحتى نهاية العام، كما مددت عدة دول في أوبك بلس اتفاق خفض الإنتاج الطوعي الذي كان قد بدأ في مايو بهدف تعزيز الجهود الاحترازية التي تبذلها دول مجموعة أوبك بلس لدعم استقرار أسواق النفط وتوازنها.
ومع القدرة التي أبداها منتجو النفط على الإدارة الجيدة لحجم العرض والطلب، والتنسيق الجيد ما بين منظمة "أوبك" ومجموعة أوبك بلس، يعزز النهج الاستباقي وتخفيضات الإنتاج مزيدا من الاستقرار في سوق النفط العالمية، حيث يساهم هذا النهج في استمرار أساسيات سوق النفط القوية هذا العام وامتداد هذا الأداء في عام 2024، وتعتمد هذه الأساسيات على التوازن ما بين العرض والطلب.
وتتبنى منظمة أوبك تفاؤلا بشأن الطلب في عام 2024، حيث تتوقع أن يؤدي النمو الاقتصادي العالمي القوي وسط التحسن المستمر في الصين إلى زيادة استهلاك النفط.